فلسفة العقوبة المفروضة على جريمة غسيل الأموال
فلسفة العقوبة المفروضة على جريمة غسيل الأموال
فلسفة العقوبة المفروضة على جريمة غسيل الأموال
في إطار السياسة العقابية التي يتبناها المشرع الجزائي الإماراتي، تأتي العقوبات المتعلقة بجريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريعات الإماراتية كمرآة تعكس حرص المجتمع على حماية اقتصاده وأمنه. ففي المرسوم بقانون اتحادي رقم (20) لسنة 2018، وتعديلاته، تتجلى الفلسفة القانونية للعقوبات فهي ليست مجرد وسيلة للانتقام، بل هي في جوهرها أداة لإعادة التوازن بين النظام المالي والاجتماعي من جهة، وحماية مصالح الدولة والمجتمع من جهة أخرى.
وتعكس التشريعات الإماراتية المتعلقة بمكافحة جريمة غسيل الأموال فلسفة مزدوجة للعقاب: تتجلى في سعي المشرع لتحقيق الردع والإصلاح، حيث تتدرج العقوبات وفقاً لخطورة الفعل المرتكب وهي تتراوح بين الغرامة، والحبس، إلى أن تصل إلى السجن المؤبد، وهو ما يوضح إدراك المشرع لخطورة هذه الجرائم، التي تتجاوز نتائجها الأضرار المالية لتصل إلى تهديد الأمن الوطني والدولي واستقرار المؤسسات المالية، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا تأتي العقوبة هنا كعقاب للشخص وحسب، بل وسيلة للحفاظ على النظام القانوني والاجتماعي، ولضمان تحقيق الردع العام فلا يكون الانتهاك مغريًا للآخرين.
وبالرجوع إلى النصوص القانونية ذات الصلة نلاحظ أن القانون يأخذ بعين الاعتبار ظروف ارتكاب الجريمة، مثل استغلال النفوذ، أو التكرار، أو ارتكابها عبر جمعيات أو جماعات منظمة، بحيث يزيد ذلك من شدة العقوبة تبعاً لذلك، وهذا التشديد له غايات أوسع من عقاب الجاني فقط، فالمشرع هنا يرسل رسالة قوية للمجتمع بأهمية حماية النظام العام المالي والأمني.
ولا تقتصر التشريعات الإماراتية على معاقبة الأشخاص الطبيعيين الضالعين بارتكاب جرائم غسيل الأموال، بل إن العقوبة تمتد لتشمل الأشخاص الاعتباريين، مثل الشركات والمؤسسات. فإذا ارتكب ممثل الشركة جريمة غسل أموال أو تمويل إرهاب، يُنظر إلى الشركة ككيان فاعل، وقد تصل العقوبة إلى حلها أو إغلاق مقرها، حمايةً للنظام المالي ومنعًا لتكرار الانتهاكات.
وكما أشرنا أعلاه فإن العقوبات تتعدد لتشمل الغرامة، والحبس، والإبعاد عن الدولة، والمصادرة، وحتى النشر الإلزامي لملخص الحكم. هذه التدرجات تعكس فكرة المسؤولية النسبية، حيث تتناسب العقوبة مع حجم الضرر، ودرجة تعمد الجاني، وسلطته.
ومن الطبيعي أن يربط المشرع بين الفعل والنتيجة: فكل محاولة لتمويه مصدر الأموال أو استخدام المتحصلات في تمويل الإرهاب لا يشكل مجرد مخالفة قانونية، بل تهديد للأمن العام والنظام الاجتماعي. ومن هنا، فإن العقوبة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لحماية الحقوق وصون كيان المجتمع.
باختصار، يقدم المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2018 وتعديلاته إطارًا متكاملًا للعقوبات، يعكس فلسفة القانون المعاصر، حيث نجد العدالة الردعية، والتعويضية، والإصلاحية في نصوص واضحة، تتدرج بحسب خطورة الجريمة وظروف ارتكابها، مع التركيز على حماية المجتمع والنظام المالي من الانتهاكات الخطيرة.
اترك تعليقًا
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تحمل علامة *