القوانين الرديئة لا تشجع على التزام أحكامها
القوانين الرديئة لا تشجع على التزام أحكامها
القوانين الرديئة لا تشجع على التزام أحكامها
محمود صبره
استشاري الصياغة التشريعية للأمم المتحدة والبنك الدولي
يشكو كثير من الناس من أن القانون بأسلوبه الحالي وتقاليده المتوارثة على مر العصور يصعب فهمه؛ فكيف يمكن أن يكون صديقا للناس، ويشجعهم على إلتزام أحكامه طوْعا؟ لكي يتحقق ذلك، يجب أن تكون نصوصه ليس فقط واضحة ودقيقة لمن يستخدمه، بل أيضا صديقة له، ويسهل فهمها، وغير مُرهقة له. ويكون القانون مُرهقا لمن يستخدمه إذا كان يحيله على نصوص أخرى في القانون نفسه أو في تشريعات أخرى ذات صلة به غير مُحدّدة بشكل واضح ودقيق. وعندما يصعب على مُستخدم القانون فهمه، فإن النتيجة المتوقعة هي أنه لن ينفذه إلا بمحض الصدفة!
إنظر، مثلا، إلى المادة الأولى من القانون المصري رقم (29) لسنة 2023 “بإصدار قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب” والتي تنص على ما يلي “مع عدم الاخلال بالاتفاقيات الدولية التي تكون جمهورية مصر العربية طرفا فيها، وبمراعاة أحكام قانون الزراعة … لسنة 1966، وقانون البيئة …. لسنة 1994، وقانون المحال العامة …. لسنة 2019، يُعمل بأحكام هذا القانون والقانون المرافق له في شأن تنيظم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب. ولا تسري أحكام هذا القانون والقانون المرافق على وزارتي الدفاع والداخلية والجهات التابعة لهما.”
ويُلاحظ أن هذه المادة تخلط بين ثلاثة أمور لا ارتباط بينها على الإطلاق. الأمر الأول، الأمر بتنفيذ القانون (وهي مادة إصدار)، والثاني، الاتفاقيات والقوانين الأخرى التي يُفترض أن الصائغ قد اطلع عليها قبل صياغة مواده (ومكانها ديباجة/مقدمة القانون وليس مادة من مواده)، والثالث، نطاق السريان (ومكانه القانون الموضوعي وليس قانون الإصدار).
وثمة سؤال يتعلق بعنوان القانون: هل الهدف من القانون “تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة”، أم “حظر حيازتها وتربيتها والاتجار فيها” باستثناء الفئات المُستثناة من نطاق تطبيقه؟ وسؤال ثان: هل الأمر بالعمل بالقانون يُقصد به قانون الإصدار؟ أم القانون الموضوعي؟ أم الاثنين معا وفق الصياغة المذكورة؟ قطعا، المقصود به هو القانون الموضوعي فقط وليس الاثنين معا!
والسؤال الأهم: كم مَصدر يطلب القانون من مُستخدمه الرجوع إليه دون تحديد المواد المقصودة المُحال عليها؟ إن القانون يُحيل مُستخدمه على كل الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفا فيها، وكل أحكام ثلاثة قوانين أخرى، فهل يسهل عى مُستخدمه أن يطلع عليها كلها؟ إن الشيطان نفسه ليعجز عن أن يفعل ذلك. وما يُثير الاستغراب والدهشة، أن هذا الخطأ لا يتعلق بهذا القانون فقط، بل يحدث في معظم القوانين العربية!
ومما لا شك فيه، أن الإحالات غير الدقيقة إلى نصوص أخرى، سواء في داخل القانون أو خارجه، تؤدي إلى إرهاق مُستخدمه، وتجعل من الصعب فهمه، ومن ثم، تقل فرص تنفيذ أحكامه. إنظر مثلا إلى المادة (110) من قانون العمل المصري رقم (12/2003 والتي تنص على ما يلي “مع عدم الإخلال بحكم المادة 198 من هذا القانون ومع مراعاة أحكام المواد التالية، ……” ما المقصود بالأحكام التالية؟ هل المقصود هو الأحكام التالية للمادة (198)، أم المواد التالية للمادة (110)؟ وفي الحالتين، ما نطاق هذه الأحكام؟ وبعبارة أخرى، لا أحد يعرف علي وجه اليقين أين تبدأ هذه الأحكام المُحال عليها ولا حتى أين تنتهي!
ومثال آخر على الإحالة المرهقة، ما نصت عليه مادة (8-1) من المرسوم الإماراتي بقانون اتحادي رقم 40/2023 في شأن الوساطة والتوفيق من أنه “يجوز إجراء الوساطة في كافة المنازعات المدنية والتجارية التي يجوز التسوية فيها بما لا يتعارض مع التشريعات النافذة أو النظام العام والآداب العامة في الدولة، وذلك مع مراعاة نص المادة (28) من هذا المرسوم بقانون، ومع عدم الإخلال بأحكام القوانين المحلية التي تُنظم أحكام الوساطة.” إن هذا النص، ببساطة، يطلب من مُستخدم القانون أن يطلع على كل التشريعات النافذة في الدولة، بل وأيضا، كل القواعد المُنظمة للنظام العام والآداب العامة. فهل هذا معقول؟
وفي حالات كثيرة، لا يتعلق الأمر بالتشريعات المُحال عليها بقدر ما يتعلق بتوضيح المقصود من الإحالة. إنظر، مثلا، إلى المادة الثالثة من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي لسنة 1427 هجرية (والذي حل محله نظام المنافسات لسنة 1440 هجرية) والتي تنص على ما يلي “مع مراعاة ما ورد في نظام الاستثمار الأجنبي، يُعطَى جميع الأفراد ….. الراغبين في التعامل مع الحكومة …. فرصاً متساوية…” ويُفترَض أن نظام الاستثمار الأجنبي ربما يُعطي مزايا أفضل من نظام المنافسات، ومن ثم، كان الأدق في التعبير هو صياغة النص كما يلي “مع مراعاة المزايا المنصوص عليها في مادة ×× في نظام الاستثمار الأجنبي لسنة ××××”، …..
والأصل، أن النص التشريعي ينبغي أن يتضمن كل مستلزماته حتى يكون من السهل فهمه واستيعاب معناه دون الحاجة إلى الاطلاع على مصادر خارجية. ومن ثم، يجب علي الصائغ أن يجعل مشروع القانون مُستقلا في مضمونه وقائما بذاته وألا يُحيل من يستخدمه على تشريعات سابقة ويطلب منه الاطلاع على قواعد ربما لم تعد صالحة أو أصبحت بعيدة عن الواقع مع كل سنة تمر منذ صدورها، لأن ذلك يعوق فهم النص ويُؤخر استيعاب معناه بالكامل لحين الاطلاع على النص أو المَصدر المُحال عليه.
وفي رأينا، أنه عند الإحالة إلى نص في داخل القانون نفسه، ينبغي توضيح مكان النص المُحال عليه بدقة. وعند الإحالة إلى نص خارجي، ينبغي أولا النظر في إمكانية تكرار النص بدلا من الإحالة عليه، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، ينبغي تحديد موقعه بدقة مع إدراج نصه في حاشية سفلية أو ملحق للقانون.
اترك تعليقًا
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تحمل علامة *